التحليل الأساسي في أسواق العملات والمعادن يعتمد بشكل أساسي على توقع كيفية تحرك السياسة النقدية للبنوك المركزية وتأثيرها على قيمة العملات والمعادن الثمينة. لفهم هذا التحليل بشكل أعمق، من الضروري فهم العلاقة بين التضخم، النمو الاقتصادي، سوق العمل، وسياسة أسعار الفائدة.
دور البنوك المركزية:
تسعى البنوك المركزية لتحقيق توازن بين عدة عوامل اقتصادية مثل:
- مستويات التضخم: التحكم في التضخم هو أحد أهم أولويات البنوك المركزية. التضخم المرتفع يؤدي إلى فقدان القوة الشرائية للعملة، بينما التضخم المنخفض للغاية قد يعيق النمو الاقتصادي.
- النمو الاقتصادي: يتمثل هدف البنوك المركزية في دعم النمو المستدام، الذي ينعكس في مؤشرات مثل الناتج المحلي الإجمالي.
- سوق العمل: البنوك المركزية تراقب عن كثب معدلات البطالة وقدرتها على توفير فرص العمل. انخفاض البطالة مع نمو اقتصادي صحي يشير إلى اقتصاد قوي، بينما البطالة المرتفعة تُعتبر علامة على ضعف النمو.
المعادلة البسيطة لتحركات البنوك المركزية:
- التضخم المرتفع + نمو اقتصادي قوي + بطالة منخفضة: عند وجود تضخم مرتفع، نمو اقتصادي قوي، ومستويات بطالة منخفضة، تتجه البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة. رفع الفائدة يجعل العملة أكثر جاذبية للمستثمرين، مما يؤدي إلى ارتفاع قيمتها. في المقابل، ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر سلبًا على الذهب والمعادن الثمينة، لأنها لا تعطي عوائد دورية مقارنة بالأصول المالية الأخرى.
- نمو ضعيف + تضخم منخفض + بطالة مرتفعة: في حال تراجع النمو الاقتصادي، ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض التضخم عن الهدف المحدد (غالبًا 2% في الدول المتقدمة)، تلجأ البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو وتشجيع الاقتراض. هذه الخطوة تؤدي إلى تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار المعادن الثمينة مثل الذهب، نظرًا لاعتبارها ملاذًا آمنًا.
المؤشرات الاقتصادية الأساسية:
هناك مجموعة من المؤشرات التي تتابعها الأسواق عن كثب لتوقع اتجاهات السياسة النقدية للبنوك المركزية:
مؤشرات التضخم:
- مؤشر أسعار المستهلك (CPI): يقيس التغير في أسعار السلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون. يعد من أهم المؤشرات لتقييم مستوى التضخم.
- مؤشر أسعار المنتجين (PPI): يعكس التغيرات في الأسعار التي يتلقاها المنتجون للسلع والخدمات. ارتفاع هذا المؤشر قد يشير إلى تضخم قادم.
مؤشرات النمو الاقتصادي:
- الناتج المحلي الإجمالي (GDP): يقيس القيمة الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة داخل البلد، ويعتبر المقياس الرئيسي للنمو الاقتصادي.
- مبيعات التجزئة: تعكس إنفاق المستهلكين وتشير إلى مدى نشاط الاقتصاد.
- مؤشر مديري المشتريات (PMI): يقيس النشاط في قطاعي التصنيع والخدمات، وهو مؤشر رئيسي لقياس الأداء الاقتصادي.
مؤشرات العمل:
- معدل البطالة: يقيس نسبة الأفراد القادرين والراغبين في العمل الذين لا يجدون فرص عمل. معدل بطالة مرتفع يشير إلى ضعف الاقتصاد.
- معدل الأجور: ارتفاع الأجور يشير إلى ضغوط تضخمية محتملة.
- الوظائف غير الزراعية (NFP): في الولايات المتحدة، هذا المؤشر مهم جدًا لأنه يعكس عدد الوظائف الجديدة المضافة في القطاعات غير الزراعية، وهو مؤشر رئيسي على صحة سوق العمل.
- مطالبات العاطلين عن العمل: تُقيس عدد الأفراد الذين يطالبون بمساعدات البطالة. زيادة هذا الرقم تدل على ضعف سوق العمل.
تأثير الأحداث الجيوسياسية والمخاطر الاقتصادية:
إلى جانب المؤشرات الاقتصادية، هناك عوامل أخرى تؤثر على قرارات البنوك المركزية وسلوك الأسواق:
الأحداث الجيوسياسية: الحروب، العقوبات الاقتصادية، والكوارث الطبيعية تؤثر بشكل كبير على استقرار العملات وسوق المعادن الثمينة.
التغيرات في أسعار السلع الأساسية: مثل النفط، حيث أن الارتفاعات أو الانخفاضات الحادة تؤثر على التضخم وبالتالي على السياسات النقدية.
دور توقعات الأسواق ( شراء الاشاعة وبيع الخبر):
توقعات السوق تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد الاتجاهات المستقبلية. غالبًا ما تتحرك الأسواق بناءً على التوقعات، وليس فقط على البيانات الفعلية. إذا كانت الأسواق تتوقع أن يقوم البنك المركزي برفع أو خفض الفائدة، فإن الأسعار قد تعكس هذه التوقعات مسبقًا.
